Facebook RSS
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ رسالتنا ارسل مقالاً اتصل بنا

الامر الجلل والشخوص الرصيتة

عندما يكون الأمر جلل وفي المواقع تبادل وفي المواقف اختلاف كبير، فإما أننا المخطئون نحن في قيادة الحركة، وعلينا الاعتراف والتصويب، وإما الآخرون كانوا يكمنون على غش وفي الحالتين فإن الحوار والنقد لا غنى عنه.
 إن البحث وراء المشكلة أوالأزمة ضروري واجتراح الحلول أساسي والتمسك بالنظام واللوائح والقيم لابد منه.
وقت الشدائد تظهر معادن الشخوص الأمينة والرصينة والقوية بل والوفية راجحة العقل، وحينها يكون الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة الخصم، حتى لو كانت المشكلة الداخلية عميقة.
إن ترتيب الأولويات ومفهوم القِيَم الجامعة يعني التوحد عند المواجهة وفي الازمات مقابل ترك الخلافات الداخلية في الخلف وإن الى حين في الحد الأدنى.

 

بائعَ الورد.. شكراً .. كما يكتب محمد علي طه

نشر بتاريخ: 2013-03-25






يفرح المبدع عندما يسمع كلمة إطراء لنصّه من قارئ يلتقي به في المقهى أو المتجر أو سيّارة الأجرة أو محطّة القطار أو الشارع أو أيّ مكان آخر فالكلمة الطيّبة تمدّه بطاقةٍ متجددةٍ لمواصلة مسيرة العطاء. وغاية المبدع الكبرى هي أن يزداد عدد قرّائه. وعلاقة المبدع بالقرّاء مثل علاقة السمكة بالماء فمثلما لا تعيش السمكة بدون الماء فلا حياة للمبدع بدون القرّاء. ولم استغرب حينما قرأت قبل سنوات مقالاً لأحد الكتّاب يتمنّى لو يشتمه مليون إنسان بعد نشر أيّ نصّ أدبيّ له، ولما سُئل عن ذلك أجاب بأن هذا يعني أنّ مليون قارئ قد قرأ نصّه الأدبيّ. فكيف إذا سمع هذا الكاتب كلمة الإطراء لا الشتيمة من عشرات القرّاء لا من مليون قارئ!!؟ 

والجائزة الأدبيّة هي كلمة إطراء كبيرة وهامّة وقيمّة معنوياً وماديّاً ينشدها المبدع ويظنّ أنّه الوحيد الذي يستحقها، وتمنحها مؤسسة رسمية ذات نظام داخلي، بينما كلمة الإطراء من القارئ تأتي عفوية صادقة من دون توصية من وزير أو وساطة من سفير ومن دون علاقات عامة مع أمير أو مدير. 

حينما بدأت الكتابة قبل خمسة عقود ما فكرت وما حلمت بأيّة جائزة أدبيّة، مثلي مثل أبناء جيلي من المبدعين الذين صمدوا في وجه رياح النكبة العاتية وانغرسوا في تراب الوطن، كان الحلم، يومئذٍ، بأيّة جائزة رسمية وهماً وترفاً مريضاً لا يغامر فيه عاقل، ولكنّ مناخ هذا العصر وعوامل الطبيعة المتقلّبة المتعاقبة أثرَّ على الغيوم وعلى المطر وعلى الندى وعلى حرارة الشمس وعلى بزوغ النجوم في السماء. 

حصلت على عدّة جوائز أدبيّة ومعنويّة أعتزّ بها مثل جائزة وسام القدس من الرئيس الراحل ياسر عرفات وجائزة وسام الاستحقاق والتميّز من الرئيس محمود عباس ولكن هناك جائزة أدبيّة قيّمة فريدة لها طعم خاص نلتها قبل سنوات وقد أثّرت فيّ وعليّ تأثيراً كبيراً وتركت في نفسي أثراً طيّباً ورشّت في فضائي عبيراً. 

في تسعينيات القرن الماضي سافرت إلى مدينة العفولة لأعود أخي وصديقي الشاعر شكيب جهشان، رحمه الله، الذي كان يرقد في المستشفى بعد إجراء عملية جراحية لإحدى عينيه، وفي طريقي عرّجت على دكان أزهار في مدينة الناصرة لأشتري هدية له. وكان الوقت صباحاً، والفصل ربيعاً، والأزهار الطالعة من طفولتها تملأ الحانوت ألواناً زاهية وتعطّر الفضاء بعبيرها. 
طلبت من صاحب الحانوت، وهو شاب أسمر في الثلاثينات من عمره، أن يعدّ لي باقة أزهار. تأملني وقال: سوف أعدّ لك باقتين جميلتين. 

قلت: يا سيدي أريد باقة واحدة.
 
*سأعدّ لك باقة كبيرة عبارة عن باقتين اثنتين.
قالها بحزم وإصرار فأيقنت ألا نقاش معه. 
*حسناً مثلما تريد.

وقلتُ في سري مبررّاً موقفي: إن من يدفع خمسين شيقلاً ثمن باقة واحدة يستطيع أن يدفع مئة شيقل أيضاً، ولماذا النقاش الذي قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فالرجل البائع صارم وحازم، والعنف منتشر في مجتمعنا، وابعد عن الشرّ وغنِّ له يا محمد.
ناولني البائع الباقة الكبيرة وهو يقول مبتسماً: تفضل يا أستاذ.
أخرجت محفظتي من جيبي فقال: لا أريد ثمناً. هذه هدية مني إليك.

*لي أنا؟
*نعم. أنا أقرأ قصصك وتعجبني، وأقرأ مقالاتك وأتمتّع بها. فاقبل باقة الورد مني مقابل ما قدمته لي طيلة سنوات.
باقة ورد من رجل لم يسبق لي أن قابلته أو عرفته، ثمنها مئة شيقل قد تكون ثمن الحليب والخبز والخضار والفواكه لعائلته.
باقة ورد على خدود كل وردة منها يمرح الفرح ويرقص الأمل، وتبتسم الدنيا. 

شكراً لك سيدي بائع الورد.



Developed by