Facebook RSS
الصفحة الرئيسة رسالتنا ارسل مقالاً اتصل بنا

العُجب والتواضع

 قال أبوالعباس المبرد: (النعمة التي لا يُحسَد صاحبها عليها التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه العُجْب).
#لنتفكر

القدس ومستقبل التسوية كما يكتب د. إبراهيم البحراوي

نشر بتاريخ: 2017-12-23
 

 
ينقسم المراقبون السياسيون إلى قسمين في تفسير خطوة الرئيس الأميركي حول القدس بالنسبة لمستقبل التسوية، فهناك قسم يرى أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو بمثابة إعلان سياسي عملي بموت عملية السلام وانتهاء دور الوساطة الأميركي ودفن ما سمي بصفقة القرن. أما القسم الثاني من المراقبين فيرى أن قرار ترامب على فداحته ومخالفته للقانون الدولي لا يلغي الأمل في التوصل إلى تسوية متوازنة، ويعتبر أن قرار القدس لا يقفل الطريق لإنجاز صفقة القرن.




والفريق الأول يبني توقعه على ميول الانحياز التي أظهرها ترامب للسياسات الإسرائيلية مبكراً خلال حملته الانتخابية، ويرى أنه لو كان ترامب جاداً فيما يسميه صفقة القرن لكان وازن بين انحيازه لإسرائيل من ناحية وبين متطلبات الصفقة في ضرورة إرضاء الطرف العربي من ناحية أخرى.
أما الفريق الثاني من المراقبين فيرى أن إعلان ترامب أن قراره يترك حدود السيادة الإسرائيلية في القدس للمفاوضات إنما يعني أنه ما زال مهتماً بإنجاز صفقة القرن، وأنه يبعث برسالة للعالم العربي تفيد أن الطلبات العربية في القدس الشرقية ما زالت موضوعة على الطاولة، وأنه بمقدورهم أن يحصلوا على عاصمة الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، وأن قراره لا يلغي هذا الاحتمال.

وهنا يرى هذا الفريق أن ترامب عندما أعلن قرار الاعتراف كان ينفذ القانون الذي أصدره الكونجرس عام 1995 وحان موعد البت في تنفيذه أو إرجائه في الرابع من ديسمبر، وأنه يعمل في الوقت نفسه على استكمال مشروعه المتكامل للتسوية ليعلنه في وقت قريب.

والواقع أنني كباحث في شؤون الصراع والتسوية كنت أقف على الحياد بين فريقي المراقبين، فقد كنت في حاجة إلى علامة رسمية تصدر من العالم العربي من إحدى العواصم الفاعلة تنفي مصداقية تصريح الخارجية الأميركية أو تؤكد جديته. لقد جاءت الإشارة في الحديث الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لقناة «فرانس 24»، حيث أعلن أن بلاده رفضت قرار ترامب الخاطئ الذي ينتهك قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ويعقد عملية السلام وسيقوض دور الولايات المتحدة كوسيط.

وفي هذا السياق، أكد الجبير موقف المملكة العربية السعودية من القدس، الذي هو في الحقيقة موقف جميع العواصم العربية، والقائم على الاقتناع بحل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، بناء على حدود عام 1967 على أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ثم أعطى الجبير الإشارة المنتظرة.

لقد أوضح أن إنجاز الخطة الأميركية في حاجة إلى مزيد من الوقت، مشدداً على ضرورة أن تأتي هذه الخطة معتمدة على حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وبين أن الإدارة الأميركية تعمل على بعض الأفكار وتستشير جميع الأطراف، ومنها المملكة العربية السعودية، موضحاً أن الإدارة تتعاون مع الأفكار التي تقدم إليها في المشاورات.

وفي تقديري أن على جميع المراقبين الالتفات إلى هذه الإشارة العربية الرسمية المهمة التي تصدر من دولة ذات ثقل كبير، وهي تعني أن العرب يرفضون قرار ترامب ويضغطون لتغييره ولكنهم في الوقت نفسه يرون أن جهود السلام الأميركية لم تنتهِ بعد، وأنهم يعملون لإخراج الخطة الأميركية على نحو يرضي التطلعات العربية.

إن هذا المزج العربي بين الضغط الذي تبين في الذهاب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لإبطال قرار ترامب وبين مواصلة التشاور حول الخطة الأميركية، يبدو مزجاً موفقاً من الناحية السياسية من وجهة نظري. ذلك أن الضغط العربي ضروري حتى لا ينفرد اليمين الإسرائيلي بالقرار الأميركي، ويصب فيه أطماعه التوسعية، بقدر ما أن المشاورات السياسية حول خطة التسوية الأميركية ضرورة لتكون للعرب كلمة تصوب قرار ترامب الخاطئ وتعدل ميزانه في خطة التسوية المنتظرة.

د. إبراهيم البحراوي*

* أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس
Developed by